الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "الأرض المُرّة" لمحمد بوكوم: أضواء على الحراك الفلاحي والمدني المنتصر للسيادة الغذائية التونسية

نشر في  02 جانفي 2020  (10:12)

بين الشهادات الاستنكارية والمشاهد المعبّرة، يرفع فيلم "الأرض المُرّة"، الذي أخرجه محمد بوكوم، الستار عن جملة من المشاكل الفلاحية المسكوت عنها، وهي في علاقة مباشرة بموضوع السيادة الغذائية التونسية. مسألة جوهرية تتغاضى الدولة عنها الطرف بينها يدافع عنها عدد من الفلاحين الصغار ومن جمعيات المجتمع المدني الذي نقل الفيلم أصواتهم كاشفا أهمية هذا الحراك الفلاحي والمدني الواعي بالمخاطر التي تهدد الفلاحة والأمن الغذائي التونسي.

فلاحون برتبة مناضلين

تعكس الشهادات التي نقلها الشريط واقعا فلاحيا واجتماعيا مُترديا همّشته الدولة بحكم خياراتها الهجينة التي عملت على دعم كبار الفلاحين مقابل تفقير الفلاحين الصغار مع استهتار خطير في التعاطي مع مسائل حيوية على غرار الخارطة الفلاحية وندرة المياه والمحافظة على البذور التونسية. غير انّ الفيلم لا يتوقف عند مرارة الشهادات بل يتجاوزها متوفّقا في ابراز الجانب النضالي للمعركة التي يقودها فلاحون برتبة مناضلين.

يُظهر الفيلم بصفة جليّة كيف يعتمر عدد من الفلاحين قبعة نضالية بامتياز على غرار الفلاحين رياض البكاري ومراد بن حسين اللذان يواجهان واقعا متأزما بمنزل بوزيان (مشكلة الماء وحفر الآبار ووضعية الأراضي غير المسجلّة)، وقد أسسا جمعية "نفس" التي يقول عنها البكاري انّها قد تقوم مقام اتحاد الفلاحين الغائب عن المشهد. 

الأرض... الأرض

والى جانب الفلاحين المناضلين، تظهر في الفيلم فئة أخرى من شغالي الأرض، وهي فئة "الفلاحين بلا ارض" تمثلهم على السيدة منجية الفرجاني التي تعيش من "حديقتها الفلاحية" التي لا تتجاوز 400 متر مربع، وهي في انتظار الحصول على مقطع فلاحي غير انّها لم تلاقي الا المماطلة من قبل سلط الاشراف.

أما الفلاح مسعود الصغير فقد اثار مشكلة ملكية الأراضي في قبلي وزحف الرمال وندرة الموارد المائية ومعركة اثبات الذات بشكل اعم في بيئة مستعصية. وهكذا تُهدر طاقات أبناء البلاد ممن بمقدورهم تقديم الإضافة والعيش بكرامة.

من الشهادات الى الحراك

ومن حلقة الشهادات التي تُسلّط الضوء على الإشكاليات القائمة مثل صعوبة التحصل على شهادة ملكيّة وتوريد الحبوب الذي يتطلب هو أيضا توريد كميات كبيرة من المبيدات، ينتقل المخرج الى الاطار الأكبر وهو الحراك الفلاحي والمدني الذي تعرفه تونس دفاعا عن السيادة الغذائية التونسية.

هذا الحراك التي تشارك فيه جمعيات مختلفة على غرار "مجموعة العمل من أجل السيادة الغذائية" وجمعية "فلاحة مستدامة" وغيرهم من الجمعيات المحليّة والفلاحين ومخرجي الأفلام (الحبيب العايب، رضا التليلي، رباب المباركي، سنية بن مسعود على سبيل الذكر لا الحصر) والذين يدفعون في اتجاه التحسيس والتثقيف الفلاحي بهدف تكوين نوع من "السلطة المضادّة" التي يمكن أن تدلي بدلوها في الخيارات الحيويّة التي تهم الأمن الغذاء التونسي ولو انّ الكفّة غير هيّنة الترجيح.

ينضاف فيلم "الأرض المُرّة"، وهو من انتاج شركة 911 برود، الى قائمة الأفلام النضالية التي تسعى للعب دور جوهري في توعية المشاهد بمفاهيم السيادة الغذائية وبما يتربّص بالتونسي من مخاطر جراء خيارات فلاحية غير صائبة. وقد عُرض الفيلم لأول مرّة ضمن فعاليات اللقاء الاقليمي حول السيادة الغذائية تحت شعار "السيادة الغذائية في شمال افريقيا، العمل من أجل المستقبل" في قاعة دار الثقافة ابن خلدون المغاربية بتونس العاصمة.

شيراز بن مراد